كتاب (كليلة ودمنة) يعتبر من عيون الأدب العالمي, وأعجبها, وأبهرها, وأفردها في النوع والمضمون. فهو عبارة عن مجموعة قصص رمزية على ألسنة الحيوانات, ترتبط بالحكمة والأخلاق, وترجع أصول الكتاب إلى الهند, حيث ألفه أحد الحكماء وأهداه لِملك من ملوك الهند العِظام , حتى يستأنس بأخباره وينتفع بمقاصده.
هذا الكتاب النفيس تُرجم إلى الفارسية, ومن ثمَ نقله ابن المقفع إلى العربية, مقسم إلى أبواب منها: باب الأسد: يكشف خفايا السياسة الداخلية.
باب البوم والغربان: يتناول السياسة الخارجية.
باب الحمامة المطوقة: يتطرق إلى التعاون.
باب القرد وأبن أوى: يقدم عِظات متنوعة في الأخلاق.
واسم الكتاب في نسخته الهندية(الفصول الخمسة) , وحين ترجمه ابن المقفع للعربية, غّير عنوانه إلى(كليلة ودمنه) وهي اسماء لحيوانات من أبطال قصص الكتاب الخرافية.
ومن العربية أنتشر الكتاب لبقية الأمم, وأصبح بنسخته هي المرجع والمعتمد, حيث ضاعت نسخته الهندية, وبقيت بعض الفصول من النسخة الفارسية.
طبعاً الأخلاق والفضائل والنصائح, الواردة بالكتاب ليست فريدة , بل الفريد طريقة إيصالها بشيء من التشويق والإبهار, عبر استنطاق الحيوانات.
ولا شك أن هذا يعتبر نوع من الأدب البديع, والذوق الرفيع, الذي يُحسب لبلاد العجائب(الهند).
وحقيقة الأمر, أن العجائب لا ترافق البلدان والمدن, بل ترافق البشر أينما سكنوا, وارتحلوا؛ فالإنسان هو الكائن العاقل الذي يُفكر, ويستنبط, ويُبدع, وأدمغة البشر هي نفسها نفسها, في كل زمان ومكان.
لكن الذي فرق مع الهند, ومع غيرها من المدن الحضارية, أن التدوين كان منتشر بها, مما ساهم في حفظ تراثها الأدبي, بعكس بلاد العرب الأمية.
لحظة ما دّخل بلاد العرب في الموضوع؟! حسنا, موضوعي في الأساس عن العرب, وليس عن الهند.
فلدينا أدب رفيع, لا يقل عن أدب الهند, ولست أقصد الشعر أو النثر والخطابة, مع أنها من صنوف الأدب, بل أقصد نوع آخر من الأدب, "أدب قصص الأساطير" ذات الطابع التربوي والتوجيهي. والفرق بين هذا الأدب, وأدب الشعر مثلاً , أن قصص الأساطير, لا تفقد رونقها وسحرها, حِين تُترجم إلى لغات أخرى, بعكس الشعر الذي يعتمد على الأحرف والأوزان, والذي يختل حالما يركب على حروف لغة أخرى.
ومن ضمن القصص الأسطورية التي كنت أسمعها في صغري, ولازلت استمتع بتكرارها إلى الآن, قصة المربعانية وأولادها. والمربعانية هي: حالة من الطقس تستمر أربعين يوماً, تمتاز بالبرودة وهطول الثلوج, تأتي بعدها فترتين متتابعتين تسمى شباط الأول والثاني, تتميز ببروده أشد, وزمان أقل.
ويكمن إبداع عرب البادية, في ابتكار حكاية أسطورية عن هذا الطقس البارد واستنطاق ما لا ينطق ولا يعقل!! مضمون هذه الحكاية هي, النصيحة من الفترة التي تعقب فترة المربعانية, وأن البرد الفعلي لم ينتهي بعد, مع توجيه إرشادات في كيفية مواجهة هذا الطقس البارد, ونص القصة الأسطورية, كما في لهجتها العامية هي: " المربعانية وصت عيالها, شباط, وشبيط, وقالت: ياعيالي, أنا مريت ولا ضريت! عليكم شبوبهم ليف واكلهم دويف, واتركوا اللي حطبهم سمر, وأكلهم تمر". هذه المقطوعة الأدبية الرائعة, هي نصيحة أبناء البادية لبعضهم, مفادها أن شباط الأول والثاني, أشد برودة من فترة المربعانية, وحتى يرسخوا هذا المعنى, شبهوا الشبط بالأبناء البارين بوالدتهم-المربعانية- والذين يسمعون النصح, وسوف يقومون بالمهمة التي لم تنجح فيها أمهم, وهي الإضرار-بالبشر- ولا سبيل أمام أبناء البادية لاتقاء شر ثأرهم, إلا باتخاذ حطب من النوع الجيد للتدفئة, كذلك اختيار الغذاء المناسب ذو السعرات الحرارية العالية, والتي تمد الجسم بالدفء والطاقة. هذه النصيحة تم توجيها بسهولة ومرونة بنوع من التشويق عبر هذه القصة الخيالية, وكم, وكم من القصص الكثيرة والجميلة, متداولة بين أبناء البادية, تتناول : الأخلاق, والحِكم, والمعارف ,والنصائح. لكن المحزن أنه لا يوجد مشروع نوعي, يتولى مهمة تدوين هذا الأدب المتناثر وتوثيقه, وتصنيفه, حتى يُحفظ كتراث عالمي يعتز به الأبناء.
ولو تم ذلك, لأنبهر العالم, مثلما أنبهر, بـ(كليلة ودمنة). وفي نهاية المقال, أشير إلى قصة أخرى, ابحثوا عنها عند كبار السن, وهي قصة المرأة العجوز وملك الموت. استمتعوا بالأدب اليعربي العالمي :) تابعوا جديد شبكة أبونواف على :
للمشاركة قم بإرسال مشاركتك على البريد التالي : abunawafgroups@yahoo.com
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق